من هدم أسوار أريحا؟

    قصة ذات مغزى أترجمها بتصرفٍ عن الإنكليزية وأنقلها إلى بلادنا، لأنها تليق بنا أكثر من أستراليا التي قيلت فيها، عندما كانت جوليا غيلارد رئيسة الوزارة. قصتي تجرى أحداثها في بلد عربي صغير، ربما في المشرق العربي أو شمال أفريقيا.

    جاء مفتش المعارف إلى مدرسة حكومية ليفحص طلاب الصفوف الثانوية. المعلمة في الصف رحبت به وقالت له أن يسأل ما يريد. هو فكر قليلاً، ثم سأل الطلاب: مَنْ هدم أسوار أريحا؟ الطلاب صمتوا دقيقة أو نحوها، فهم لم يسمعوا عن أريحا وأسوارها من قبل. أخيراً، وقف الصغير يوسف وقال: أرجو أن تصدقني يا سيدي فأنا لا أعرف مَنْ هدم أسوار أريحا، ولكن أؤكد لك أنني لم أفعل ذلك. (في الخرافة التوراتية غزا يشوع أريحا وأسوارها سقطت بالزمامير والصراخ).

    المفتش أحزنه ما سمع، وانتقل ليقف قرب المعلمة ثم همس في أذنها أن جهل الطلاب غريب، وجواب يوسف كان أغرب من جهلهم. المعلمة قالت له أنها تعترف بأنها لا تعرف مَنْ هدم أسوار أريحا، إلا أنها تعرف الصغير يوسف، وهو دائماً صادق، لذلك تستطيع أن تؤكد للمفتش أن يوسف لم يهدم أسوار أريحا.

    المفتش جنَّ جنونه، وترك الصف غاضباً وذهب إلى مديرة المدرسة وحكى لها ما حدث في الصف وردّ الصغير يوسف وتعليق المدرّسة.

    المديرة فكرت قليلاً، ثم قالت للمفتش أنها هي أيضاً لا تعرف مَنْ هدم أسوار أريحا، إلا أنها تعرف المعلمة جيداً، وهي من خيرة المعلمين والمعلمات في المدرسة كلها وإذا كانت وقفت إلى جانب يوسف، وقالت أنه لم يهدم أسوار أريحا فهو حتماً لم يهدمها.

    المفتش لم يصدق ما سمع وخرج غاضباً، وأسرع بسيارته إلى مكتبه، ومن هناك اتصل بوزير التعليم وحكى له ما حدث. الوزير كان من نوع الصغير يوسف والمعلمة ومديرة المدرسة، وقال للمفتش أنه لا يعرف مَنْ هدم أسوار أريحا، إلا أن المدرسة ذات العلاقة من أفضل مدارس المدينة، وهو يصدق براءتها من هدم أسوار أريحا.

    المفتش فقد أعصابه وذهب إلى مقر رئاسة الوزارة، وطلب أن يرى رئيس الوزراء. هو انتظر ساعة ثم سُمِحَ له بمقابلة رئيس الوزراء في مكتبه. المفتش حكى لرئيس الوزراء ما حدث وطلب منه التدخل لإنقاذ نظام التعليم في البلد. رئيس الوزراء وضع يديه على رأسه وقال للمفتش أن عنده ألف مشكلة ومشكلة، وكلها أكبر من أسوار أريحا. وتنهد رئيس الوزراء وفكر قليلاً وقال للمفتش: لا أعرف المدرسة، ولا أعرف مديرة المدرسة، ولا أعرف المعلمة، ولم أسمع من قبل بالطالب يوسف أو غيره. اسمع ما أقول لك. لا أريد فضائح. أعلن عن مناقصة لإعادة بناء سور أريحا، ويجب أن تتقدم ثلاث شركات على الأقل. وعلى وزير التعليم أن يعطي العقد لمَنْ يتقدم بأقل نفقات للبناء.

    أعتقدُ أن المفتش أصيب بنوبة عصبية، إلا أن هذا غير مهم، فَلَو أن القصة السابقة حدثت في بلد عربي لا أستراليا، لكان المفتش بحث عن شركة بناء تعطيه عمولة لمنحها المشروع، ولكان الوزير رفض العرض، واقترح على المفتش اسم شركة أخرى، يملكها من وراء الستار، وهي مسجلة في بنما، ولكانت الشركة الفائزة بالعقد بعد أن طلبت أقل نفقات لإعادة البناء أوقفت العمل في منتصف الطريق وطالبت بزيادة مبلغ على العقد المتفق عليه، لأن أساس السور يتسرب إليه الماء من كسر تحت الأرض في أنابيب البلدية، ولكان الوزير أو ابنه، اشترى فيراري بما كسب من العقد، من دون أن يرى أسوار أريحا أو غيرها.



  • المزيد من المقالات
  • مقالات الكاتب جهاد الخازن
  • "جَنين جِنين" لمحمد بكري.. توثيقيّ مُتجدّد يدشّن عروضَ سردية النكبة سينمائياً

    يوسف الشايب
  • إلى صديقي سميح القاسم في يوم مولده

    المتوكل طه
  • وأنت تحترق!

    جمعة الرفاعي
  • هنا بغداد... مَنُ السِما

    نداء يونس
  • أنا ومهرب السجائر

    رولا سرحان
  • شيطان البرد

    رامي مهداوي
لم يتم إضافة أي مقالة أخرى من تأليف الكاتب جهاد الخازن