لاجئون متحرشون

    منذ بدأت محاولات إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا في العام 2011 وحتى يومنا هذا، ونحن نسمع عن حركات مختلفة منها المنشق عن جيش النظام مثل الجيش الحر وجبهة الأصالة والتنمية وهيئة دروع الثورة ولواء شهداء اليرموك وكتائب الوحدة الوطنية، ومنها من المعارضة الأصلية ومنها من حزب الله والحركات السورية المنضمة له ومنها داعش، وأخرى إسلامية قتالية ( أحرار الشام، لواء التوحيد، جيش الإسلام) وغيرها ما أنزل الله بها من سلطان وكلها مجتمعةً إلى جانب النظام تمارس شتى أنواع القتل والتعذيب والتنكيل والتجويع والحصار ضد العزل والمدنيين، مما خلق ردة فعل نحو الهرب والبحث عن مكان أكثر أماناً سواء عربية مجاورة مثل لبنان والأردن أو أوروبية وإن كان السبيل هو البحر والغرق واستغلال تجار البشر والحدود، وطبعاً اختلفت طرق التعاطي الأوروبية مع موضوع اللاجئين بين دول مستقبِلة ودول أغلقت أبوابها خوفاً من التدفق الهائل للاجئين السوريين الذين يعبرون عدة دول وحدود مثل تركيا وأخرى أوروبية مثل كرواتيا وسلوفينا وهنغاريا وصربيا ومقدونيا بغيةً للوصول إلى ألمانيا والنمسا ودول أخرى ضمن إطار شينغين.
    وبين التفاوت الأوروبي في التعاطي مع قضية اللاجئين الشرعيين وغير الشرعيين، كانت ألمانيا الأكثر تميزاً في استقبال اللاجئين السورين بطريقة فاجأت العالم بما تحمله من إنسانية ورُقي حيث ذهب الألمانيون أنفسهم بباقات الورود واللافتات الترحيبية إلى المحطات لاستقبالهم، كما وأولت المستشارة الألمانية أنجيلا ماركيل والمعروفة بصرامتها في أوروبا خاصةً فيما يتعلق بالأمور المالية الموضوع أهميةً في كل خطاباتها وأخبارها الإعلامية الأخيرة، ورغم أن الدافع وراء حفاوة الاستقبال ظل متذبذباً بين إنسانيٍ بحت وبين اقتصادي كما حلله البعض حيث ارتفاع نسبة الشباب في اللاجئين وهو ما تحتاجه دولة منتجة كألمانيا، إلا أن الإجماع تم على كون المانيا الأفضل في استقبال اللاجئين.
    وأيضاً أعلنت ألمانيا في آخر العام المنصرم 2015 عن وقف الاحتفالات الرسمية برأس السنة تعاطفاً مع اللاجئين الذين يدخلون العام 2016 بعيداً عن أوطانهم وبيوتهم وأحبتهم بعكس بروكسيل التي ألغت تلك الاحتفالات بسبب التهديدات الأمنية، ورغم الإلغاء الرسمي إلا أن احتفالات شعبية كنوع من الطقوس الممارسة سنوياً خرجت في ألمانيا، وهنا كان الخبر المزعج جدا في هامبورج شمال ألمانيا وفي غربها تحديداً كولونيا وهو (التحرش الجنسي) خاصةً من قبل المهاجرين وطالبي اللجوء، الأمر الذي أغضب الألمان وجعلهم يطالبون ميركيل بـالصرامة أكثر حيال اللاجئين، وأخذت بعض المدن منع دخول اللاجئين إلى مسابحها بعد تحرير شكاوى من قبل النساء.
    في الحقيقة هو أمر مخزي لنا جميعا كعرب ندعي المحافظة على العادات والتقاليد ونتغنى بالشرف لنذهب ونحطم كل تلك الموروثات الثقافية والاجتماعية والدينية خارج حدود بلداننا العربية، ربما هي صدمة الثقافات والخروج من مجتمعات مغلقة إلى أخرى منفتحة مختلفة تماما، ربما هي القيود العربية في مجتمعاتنا بين العيب والحرام والمحظور والممنوع، ربما هو الكبت الجنسي والعاطفي، ربما هي أسباب متنوعة لكنها لا تُبرر تلك الأعمال اللاأخلاقية التي حررت مئات الشكاوى في يوم واحد، وجعلت من يمدون لنا يد العون يفكرون ألف مرة في موضوع اللجوء نفسه ويجعلونهم يضعون القيود والتعقيدات التي ستحول دون وصول غيرهم ممن يهربون من الموت، هذا من جهة، ومن ناحيةٍ أخرى فإن الصورة التي ستتشكل حول العرب والمسلمين تعزز الصورة النمطية السيئة أصلا لدى الأوروبي والتي ستدفعه إلى العنصرية وعدم الاختلاط وربما خطوات رسمية تأخذها الدولة.
    إذا كنا ندعي أننا متدينون ألسنا ندرك أن الله موجود في كل مكان؟ وإذا كنا ندعي أننا محافظون لماذا نستبيح ما ليس لنا؟ اعتقد أن علينا مراقبة تصرفاتنا وإعادة النظر فيها خاصةً إذا كنا نرغب في الانخراط في المجتمعات الجديدة ملاذنا الآمن من القتل والدمار.



  • المزيد من المقالات
  • مقالات كاتب ناريمان شقورة
  • وأنت تحترق!

    جمعة الرفاعي
  • هنا بغداد... مَنُ السِما

    نداء يونس
  • أنا ومهرب السجائر

    رولا سرحان
  • شيطان البرد

    رامي مهداوي
  • من هدم أسوار أريحا؟

    جهاد الخازن
  • الفيل الأزرق

    رامي مهداوي
لم يتم إضافة أي مقالة أخرى من تأليف كاتب ناريمان شقورة